إن مجىء السيد المسيح للعالم وصلبه وقيامته، لم يكن لأجل قيامتنا من الموت في اليوم الأخير من القبر.. إن هذا لم يكن ليكلف االله تجسده وقيامته – بل كان يكفي بكلمة واحدة أن يأمر فتخرج الأجساد من القبور سواء كانوا أشراراَ أو أبرارا. وهذه هي عقيدة جميع الديانات غير المسيحية “لا تتعجبوا من هذا فأنه ستأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات الي قيامة الحياة و الذين عملوا السيئات الي قيامة الدينونة” (يو 5 :28 ،29).
ولكن السيد المسيح قال عن نفسه إنه هو القيامة، وجاء ليعطي البشرية قوة قيامته، ويقيمها معه في هذا العالم الحاضر. فالمرأة الخاطئة أقام الرب حياتها الداخلية الساقطة المهلهلة لتصبح المرأة القوية والمنتصرة على شهواتها وضعفاتها… هذا ما نسميه بالقيامة الأولى. كذلك بطرس الجبان أمام الجارية ذو الشخصية المزدوجة التي تتظاهر بالشجاعة ومن داخل تنكر وتسب وتلعن أمام جارية، هو نفسه بطرس الذي سجن وضرب وخرج فرحا لأنه حسب أهلاً أن يهان من أجل اسم االله “واما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين ان يهانوا من اجل اسمه” (أع 5 :41 ) إنها القيامة الأولى التي بها أقامه الرب يسوع معه. وبقية التلاميذ المملوئين من الخوف والشك دخل عليهم يسوع والأبواب مغلقة وقال لهم سلام لكم. فقاموا معه بشجاعة وفرح… هذه هي القيامة الأولى.
فالقيامة في المسيحية هي عمل إلهي في داخل النفس يتم بواسطة الروح الذي أقام يسوع “وان كان روح الذي اقام يسوع من الاموات ساكنا فيكم فالذي اقام المسيح من الاموات سيحي اجسادكم المائته ايضا بروحه الساكن فيكم” (رو 8 : 11) إذ يحول حياتنا إلى نفوس قائمة فرحة منتصرة. وهذه القيامة الأولى بالنسبة للمسيحي هي اختبار لا ينتهي. يبدأ بالمعمودية والدفن مع المسيح والقيامة معه “فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن في جدة الحياة) (رو 6 :4 ) وبالتوبة المستمرة (2 كو: 4 ) وفي سر الإفخارستيا يحيا به لأن الحياة هي القيامة، وفي أعمال المحبة لأن الذي يحب قد انتقل من الموت إلى الحياة (القيامة) ” نحن نعلم اننا قد انتقلنا من الموت الي الحياة لأننا نحب الاخوة من لا يحب اخاه يبقى في الموت”(1 يو 3 :14 ) وفي قوة الرجاء “لكن كان لنا في انفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين علي انفسنا بل علي الله الذي يقيم الاموات.الذي نجانا من موت مثل هذا وهو ينجي الذي لنا رجاء فيه انه سينجي ايضا فيما بعد”(2 كو 1 :9 ،10 ) وفي قوة النصرة على شهوات الجسد (رو 8 : 11) وفي الشجاعة وغلبة الخوف، وفي اختبار الحرية “لأنه مسحني لأبشر المساكين ارسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي المأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر و ارسل المنسحقين في الحرية”(لو 4 :18 ) وفي السلوك في النور كأولاد النور وأبناء القيامة “واما من يفعل الحق فيقبل الي النور لكي تظهر اعماله انها بالله معمولة”(يو 3 : 21 )…وأخيرا في الكرازة والخدمة “فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس “(مت 28 :19).
إنها اختبار حياتنا كلها . فالقيامة ليست تمثيلية تتم ليلة العيد، بل هي إنسان داخلي يتجدد يوم فيوم . لذلك ليس صدقًا ما يقوله البعض إن فترة الخماسين هذه فترة كسل و أكل وامتلاء بطن ونوم وسقوط وفتور. ويدللون على ذلك من قلة عدد المصلين في الكنائس في أيام الخماسين بعد فترة الازدحام في الصوم الكبير وأسبوع الآلام. ولكن الحقيقة أن الذين ذاقوا القيامة الأولى يقولون إن الخماسين ليست خمسون يوما بل هي حياتهم كلها إلى أن تعبر النفس برية هذا العالم.
مقالات أخرى
عيد الميلاد المجيد – رسالة من السماء
2024 – عام الإيمان
في عيد الشهدا